أخبار عاجلة

معجـزة تـشيلي والرأسـمالية.. الهزيمـة والنــصر

معجـزة تـشيلي والرأسـمالية.. الهزيمـة والنــصر
معجـزة تـشيلي والرأسـمالية.. الهزيمـة والنــصر

تشيلي – سبتمبر 1973م – حركـة انقلاب عسكري بقيادة جنرال الجيش أوغستـو بيونشيه تُـطيح بالحكومـة الاشتراكية التي يقودهـا الرئيس سلفادور الليندي، ويعتـلي بعد ذلك الجنرال كرئيـس تشيلي الجديد، يوم الانقلاب هذا كان اليوم المـفصلي البارز ليس فقط في تاريخ دولة تشيلي، ولكن في تاريخ الرأسمالية ومدارس الاقتصاد، لتصبح تشيلي بعد انقلاب الجنرال أيقونة الحرب الباردة السوفيتية الأمريكية والحكاية التي تروى الى الأبد كنصر مجيـد للاقتصاد الحر وهزيمـة في آن واحد والدليل القـاطع على قدرة الدول على النهـوض بلا حكومة مركزية ولا سلطـة توجيهية، وفي نفس الوقت الدليل على أن بلا مركزية ولا تدخل يعني السقوط المـدوي، أُحجـية القرن!

تبدأ الحكاية مع تولـي أول رئيس ماركسي عرش السلطة في أمريكا اللاتينية وتشيـلي وهو الرئيس الليندي في عام 1970م، بدا الرئيس المُنتخـب حديثًا في تطبيق قواعد الاقتصاد الماركسي التي بدأها من خلال زيادة فرص العمل من خلال سحب مرافق الإنتاج والتعدين من القطاع الخاص وجعلها تحت مظـلة الحكومـة، وزيادة الإمدادات الغذائية وإعادة توزيع الأراضي من خلال الإصلاح الزراعي، تحسن الوضع الاقتصادي التشيلي في بداية فترة الحكم، ولكن لم يستمر هذا طويلًا حتى بدأ الانهيار يظهر على السطح بعد أول عام من السلطة الماركسية. في بداية العام 1973م بدأ التشنج الشعبي الهائل بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة واحتجاج ” القدور الفارغـة ” الشهير لنساء تشيلي الذي أشعلن به شرارة سقوط الليندي. تدخل الجيش وأنـقذ الموقف بانقلاب عسـكري بدعم من الولايات المتحدة وبقيادة جنـرال الرأسمالية بيونشـية، ليـبدأ الإصلاح ويبزغ نجم اقتصاد ” عصبة شيكاغو ” للعـالم.

بعد تولي الحكم لبيونشيه تم تعيين مستشارين اقتصاديين له يطلق عليهم ” أبناء شيكاغـو” نسـبة إلى المدرسة الكبرى، وهم مجموعة من الاقتصاديين الشباب كانوا تلامـيذ لمؤسس المدرسة الفكـرية الاقتصادي ميلتون فريـدمان. كانت هذه الفترة للشُبان هي الفرصة الأبرز لتطبيق نظريات اقتصاد عدم التدخل الحكومي واقتصاد أستاذهم فريدمـان على أرض الواقع، من خلال تطبيق بعض السياسات الاقتصادية الجديدة مثل خفض التعريفات الجمركية على الواردات، وخصخصة الشركات، وإلغاء الحد الأدنى للأجور، وإلغاء ضرائب الشركات، وخصخصة البنوك. التغييرات المتتالية في النظام الاقتصادي التشيلي كان في بداية الأمر غير جيد، حيث ارتفع التضخم الى مستويات هائـلة في 1975م، وبسبب خفض التعريفات الجمركية على الواردات ومعدلات التضخم العالية وقيـمة العملة المرتـفعة أصبحت المنتجات التشيلية أقل منافسة في النظام التجاري العالمي، وتأثرت تشيلي بقـوة برفع الفوائد الأمريكية في بدايـة 1981م حتى وصلت الى تعثرها في سداد ديونها للولايات المتحدة.

طريـق التغيير لتشيلي كان مليء بالعقبات في العـقد الأول من فترة شُـبان شيكاغو واقتصادهم المنفتـح على العالـم والحـر. في 1976م بدأت الإصلاحات الاقتصادية تظهر جليًا بتسجيل تشيلي نمو في الناتج الإجمالي المحلي إيجابي حتى عام 1981م بمتـوسط 7% سنويـًا حتى تأثرت بارتفاع الفوائد الأمريكية 1982م، ثم تنهـض وتعود برحلة نمو صعودي كانت أولى محطاته 1984م بمعدل نمو 4.10% ليستـمر بالصعود والإيجابية، ولكن ضُرب بالأوضاع المالـية العالمية السيئة في عام 1999م في أزمة سقوط النمور الأسيويـة وفقـاعة التكنولوجيا الأمريكية والأخرى في الأزمـة المالية 2008م و الأخيـرة كانت في 2020م بجائحة كورونـا، ولكن بعد كـل سقوط يعود ويتعافـى الاقتصاد التشيـلي ليحافظ على أداء إيجابي جـيد، وفي بعـض الفترات أداء خارق مقـارنة بدول الجوار، دول أمريكـا اللاتينيـة. ومن المتوقـع أن يسجل الناتج المحـلي الحقـيقي (بعـد خصم التضخم) لتشيلي نمو متحـفظ في 2024م بنسبـة 2%.

تحرير الأسواق والاقتصاد التشيلي وسياسات فتيـه شيكاغـو المتمـردة على الماركسـية أظهرت في التسعينات الميلاديـة الرأسمالية الحرة في أبهى صورها، لم تكن تحـلم بأن تظهر بهـذا المظهـر على الأطلاق، ولكـن بعد أربعة عقود من الزمـن مرت على “المعجزة التشيلية” وفي عام 2019م ظهـرت الحشود التشيليـة من جديد في الشوارع معلنة حالة من الغضب، ولكن هذه المرة ليس ضـد الماركسية، ولكن ضد الرأسمالـية التي تغنى بها التشيليـون في التسعينات من القـرن المنصرم!

كان الحلم التـشيلي بأن الشُبان والمدرسـة الحرة تحل معضلة التفاوت وعدم المساواة في الدخل والثروة كما فعلت في معدلات النمو والناتج المحلي، أثار هذا الأمر الضجيج ضد المدرسة على الرغم من الماضي الذي يحمـل الكثير من النجاح والقوة. كان التشيليون على أمل بأن عدم المساواة والتفاوت هذا سيندثـر مع مرور الزمن، ولكن لم يحدث التساوي والعـدل الحلم حتى الان هناك في أرض النوارس تشيـلي. ثار الشعب التشيلي بسبب التركز الهائل للثروة في طبقة لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من عدد السكان، في إحصائية لعام 2019م ذُكـر فيها بأن 64 ألف شخص بالغ في تشيلي لهم ثروة صافية تزيد عن المليون دولار، في المقابل، هناك 5.1 مليون شخص بالـغ ثروتهم تقـل عن عشرة آلاف دولار!
طالب التشيليون بأن يُصـدر دستور جديد يحرر تشيلي الجديدة من قبضة ” السوق الحـرة ” التي كانت أملهم السعيـد يومًا ما في الماضي القريب، وطالبوا بتأميـم مصادر الطاقة والمياه والاحتطاب وجعـلها تحت قبضة الحكومة وليس القطاع الخاص الجشع الذي حطم قلوب التشيليون كثيرًا دون رحمـة، حتى أن سياسة الشُبان خصخصت حقوق الحصول على المياه في تشيلي، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع تكاليفها على الرغم من وفرتها. ولأنها مملوكة للقطاع الخاص، لا يستطيع الناس استخدام أو شرب المياه، حتى لو كانت تتدفق عبر ممتلكاتهم الخاصة.
المعجـزة التشيلية هي النصر العظيـم للرأسمالية، ولكن لعل هذا النصـر مُزيف بعد مرور الأيـام، تشيلي اللوح الأبيـض الذي كُتب عليه نظريات الرأسمـالية والماركسيـة، والمطـالبات الشعبية بأن يُكتب على نفس اللوح بأن تكون هي دولـة الرفاه القادمـة أيضًا. أقاصـي الأرض كما يطـلق على تشيلي ستبـقى بين صفحات كتب الاقتصاد والفقر وعدم المساواة والعنف والأمـل الى الأبـد.

———–
اقتبـاس اقتصادي: ” الاقتصاد هو الاختيار بين البدائل في كل وقت. تلك هي المقايضات.” – بول سامويلسون.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق فوز أحمد إمام بعضوية مجلس إدارة الإتحاد المصري لتمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر
التالى النحاس في زامبيا يترقب اتفاقيات جديدة لزيادة الإنتاج إلى 3 ملايين طن