السيد المسيح شخصية فريدة جدا من نوعها فى التاريخ البشري، حتى إننا نقسم التاريخ إلى قسمين أحدهما قبل والآخر بعد ميلاده، لا يوجد من يماثله فى المحبة و الرحمة و الكمال و تعاليمه، فهو الوحيد الذى قام بغفران الخطايا على الأرض، و خلق وأقام الموتى، وهو سوف يدين العالم في يوم الدين.
ماذا يقصد السيد المسيح بهذه الآيَةٍ ما جئت لألقى سلامًا بل سيفًا التي حيرت الكثيرين
قول يسوع المسيح عقب الإشارة إلى آلامه مباشرة. (أتظنون أني جئت لألقي سلامًا على الأرض؟ .. كلا أقول لكم بل" target="_blank"> انقسامًا) في (لو 12 : 51).
جاء لينشر محبة وعبادة الله في العالم كله بكل وثنيته، ولهذا قال لتلاميذه (أذهبوا إلى العالم أجمع .. واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها) من (مر 16 : 15)، ويضاف إلى ذلك الحياة التي وهبها رب المجد لكل من يؤمن به، والمبادئ الروحية الجديدة التي جاء بها، وهى تختلف عن سلوكيات و طقوس العبادات القديمة قبله.
من هم أول من انقسموا على السيد المسيح
و كان أول من أنقسم عليه، ثم على تلاميذه هم اليهود وقادتهم، وليس بسبب الرب يسوع إنما بسبب تمسك اليهود بملك أرضى، وأيضا بسبب فهمهم الحرفي للكتاب، لدرجة أنهم تآمروا عليه لكي يقتلوه، لأنه شفى مريضًا فى السبت (مت 12 : 49).
فقد تضايق اليهود منه لأنه كان يبشر باقي الأمم الأخرى بالإيمان، و هم وحدهم يردون أن يكونوا شعب الله المختار، فلهذا عندما أعلن لهم بولس الرسول أن الرب المخلص أرسله لهداية الأمم، فصرخ اليهود مطالبين بقتله (أع 22 : 21, 22)، وعندما تحدث بولس عن القيامة، حدث إنشقاق وأنقسام بين طائفتين من اليهود هم (الفريسيون و الصدوقيون)، لأن الصدوقيين لا يؤمنون بالقيامة ولا بالروح (أع 23 : 6, 9).
واليهود أنقسموا على الرب يسوع المخاص، لأنهم كانوا يريدون ملك أرضي ينقذهم من حكم الرومان، أما هو فقال لهم (مملكتي ليست من هذا العالم) (يو 18 : 36)، فلم يعجبهم كلامه عن ملكوت الله، ولا قوله (أعطوا ما لقيصر لقيصر) (مت 22 : 21)، و هكذا قام ضده كهنة اليهود و شيوخهم و الكتبة و لفريسيون و الصدوقيون.
أكان يمكن لل السيد المسيح أن يمنع هذا الإنقسام
كان من الممكن أن يجامل اليهود فى عقيدتهم عن أنهم هم شعب الله المختار، و رفضهم لإيمان باقي الأمم الأخرى، و رغبتهم فى الملك الأرضي، و حرفيتهم فى تفسير وصايا الله؟ أم كان لابد له أن ينشر الحق و لا يبالى بالإنقسام؟
لقد واجه الرب يسوع العبادات القديمة بكل تعددها و تعدد آلهتها، آلهة الرومان الكثيرة تحت قيادة Jupiter جوبتر، و الآلهة اليونانية الكثيرة تحت قيادة Zeusزيوس، و الآلهة المصرية الكثيرة تحت قيادة رع وAmunأمون، و باقي العبادات، و كذلك الفلسفات الوثنية الكثيرة، فكان لابد من الصراع بين عبادة الله و العبادات الأخرى.
كان لابد له أن ينادى بالإيمان السليم لهم، ولا خوف من الإنقسام، لأنه ظاهرة طبيعية فمن الطبيعي أن ينقسم الكفر على الإيمان، و طبيعي أيضا أن النور لا يتحد مع الظلام.
وهكذا أنذر تلاميذه بأن الإنقسام لابد أن يحدث. و أنهم فى حملهم لرسالته، لا يدعوهم إلى الرفاهية بل إلى الصدام مع الإنقسام، لهذا قال لهم: (فى العالم سيكون لكم ضيق)فب (يو 16 : 33)، (تأتي ساعة يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله) في (يو 16 : 2)، (إن كان العالم يبغضكم، فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم) في (يو 15 : 18-20).
ماذا فعل السيد المسيح عندما رفع بطرس سيفه
عندما رفع بطرس سيفه ليدافع عن معلمه يسوع وقت القبض عليه، أنتهره و منعه قائلًا: (اردد سيفك إلى غمده .. لأن كل الذين يأخذون بالسيف، بالسيف يهلكون) في (مت 26 : 52).
نتيجة السيف الذي تحمله المسيحيين
إنقسام الوثنيين و اليهود عليهم, وخرج مجموعة ضخمة من الشهداء المسيحيين، فمع الصمود فى الإيمان، أنتشر الإيمان المسيحي وتلاشت الوثنية، وفي وقت من الأوقات ظن التلاميذ كيهود إن المسيح سيكون ملك مثل ملوك الأرض، لهذا أشتهى بعضهم أن يجلس عن يمينه و عن شماله، فشرح لهم السيد أن حملهم لبشارته (الصليب و القيامة) سوف لا تجلب لهم سلامًا ولا رفاهية، وإنما إنقسامًا من أعداء الإيمان به، بل سيحدث هذا حتى فى محيط الأسرة فى بيت الواحد، إذ قد يؤمن أبن بالله فيثور عليه أبوه الوثني، و يجبره على العودة للوثنيته أو يقتله، و هكذا مع باقى أفراد الأسرة التى تنقسم بسبب الإيمان.
فالإنقسام هنا ليس شرًا، و إنما ظاهرة طبيعية فكل ديانة أنتشرت على الأرض وأجهت مثل هذا الإنقسام فى باديتها إلى أن أستقرت الأمور، والرب أعطنا حياة و أقامنا من الموت.
